الجمعة، 8 مارس 2013

ادعاء العلم فضيحة

 
 
 
لا تكثرن ادعاء العلمِ في كل ما يعرضُ بينكَ وبين أصحابكَ فإنك من ذلك بين فضيحتينِ.
إما أن ينازعوك فيما ادعيتَ فيهجمَ منكَ على الجهالةِ والصلفِ، وإما ألا ينازعوك ويخلوا في يديك ما ادعيت من الأمورِ، فينكشفَ منكَ التصنعُ والمعجزةُ.

واستحي الحياء كلهُ من أن تخبرَ صاحبكَ أنكَ عالمٌ وأنهُ جاهلٌ: مصرحاً أو معرضاً.
وإن استطلتَ على الأكفاء فلا تثقنَّ منهم بالصفاء.

وإن آنستَ من نفسكَ فضلاً فتحرج أن تذكرهُ أو تبديهُ واعلم أن ظهورهُ منكَ بذلك الوجهِ يقررُ لكَ في قلوبِ الناسِ من العيبِ أكثر مما يقررُ لكَ من الفضلِ.

واعلم أنكَ إن صبرتَ ولم تعجل ظهرَ ذلك منكَ بالوجهِ الجميلِ المعروفِ عند الناسِ.
ولا يخفين عليكَ أن حرصَ الرجلِ على إظهارِ ما عنده وقلةَ وقارهِ في ذلك بابُ من أبوابِ البخلِ واللؤمِ.

وأن من خيرِ الأعوان على ذلك السخاءً والتكرمَ.
وإن أردتَ أن تلبسَ ثوبَ الوقارِ والجمالِ وتتحلى بحليةِ المودةِ عند العامةِ وتسلك الجدد الذي لا خبار فيه ولا عثارَ فكن عالماً كجاهلٍ وناطقاً كعيي.

فأما العلمُ فيزينكَ ويرشدكَ. وأما قلةُ ادعائهِ فتنفي عنكَ الحسد. وأما المنطقُ إذا احتجتَ إليه فيبلغكَ حاجتكَ. وأما الصمتُ فيكسبكَ المحبةَ والوقارَ.

وإذا رأيتَ رجلاً يُحدثُ حديثاً قد علمته أو يخبرُ خبراً قد سمعتهُ فلا تشاركهُ فيهِ ولا تتعقبهُ عليه، حرصاً على أن يعلم الناسُ أنكَ قد علمتهُ، فإن في ذلك خفةً وشحاً وسوءَ أدبٍ وسخفاً.

وليعرف إخوانك والعامةُ أنكَ، إن استطعتَ، وإلى أن تفعلَ ما لا تقولُ أقربُ منك إلى أن تقولَ ما لا تفعلُ.
فإن فضل القولِ على الفعلِ عارٌ وهُجنةٌ، و فضلَ الفعلِ على القولِ زينةٌ.

وأنتَ حقيقٌ فيما وعدتَ من نفسكَ أو أخبرتَ بهِ صاحبكَ أن تحتجنَ بعض ما في نفسكَ، إعداداً لفضلِ الفعلِ على القولِ، وتحرزاً بذلك عن تقصيرِ فعلٍ إن قصرَ. وقلما يكونُ إلا مُقصراً.
 
 
 
- ابن المقفع ( الأدب الكبير والأدب الصغير )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق